– حتى وإن واجهت عنصرية، فإنني لا أرد. لقد تعلمت احترام كبار السن في ثقافتي.
هذا ما يقوله مصطفى سنجار الذي يدرس تخصص التربية والتعليم. يسكن مصطفى في إحدى أكثر المدن تنوعاً ثقافياً في النرويج، مدينة درامن التي ينتمي حوالي ٣٠% من سكانها إلى أصول مهاجرة.
وفقًا لاستطلاع جودة الحياة الذي أجرته هيئة الإحصاء النرويجية (SSB) عام ٢٠٢٣، يعاني واحد من كل أربعة مهاجرين من العنصرية أو التمييز بسبب الخلفية العرقية.
لقد سألنا الناس عن تجاربهم مع العنصرية والاندماج، وهذا ما قالوه:
مصطفى سنجار (٢٢ عامًا): «أنت لست نرويجيًا. ماذا تفعل هنا؟»
عاش مصطفى في النرويج طوال حياته، ولكنه لا يشعر بأنه يتم معاملته كما لو كان فعلًا من هنا.
– أنا نرويجي على الورق، أما في الواقع فلا يعاملني الناس كنرويجي.
يقول مصطفى الذي ولد ونشأ في النرويج لأبويين كرديين أنه تعرض للكثير من العنصرية، خاصة في مراهقته وخدمته في الجيش.
– كان هناك رجل في الأربعينيات أو الخمسينيات من عمره يعمل في الجيش. كان يقول بأنه لا ينبغي السماح «للأجانب» بالتواجد هنا. الجيش ليس مكاننا؛ إنه مخصص للناس البيض.
كردة فعل أدار مصطفى ظهره وغادر المكان.
– أنا لست من النوع الذي يجادل كبار السن، فقد تربَّينا على احترامهم.
يقول أيضًا إن مثل هذه التعليقات تثير انزعاجه، لكنه لا يتفاجأ بها لأنه اعتاد عليها.
– غالبية الأجانب لا يشعرون بالانتماء إلى مجتمع الأغلبية، لا سيما عندما يواجهون باستمرار مواقف إقصائية.
يأمل مصطفى، كمعلمٍ مستقبلي، أن يتمكن من مواجهة الاغتراب بجعل جميع الطلاب يشعرون بأنهم مرئيون ومحتضنون.
– ماذا تفعل عندما تواجه العنصرية؟
– بالنسبة لي، الأفضل هو ألا أرد. ببساطة أستدير وأغادر المكان. إنهم لا يفتقرون إلى المعرفة، بل يعرفون ما يقولون ويفعلونه بهدف الاستفزاز.
والدا مصطفى من أصل كردي. وعلى الرغم من ولادته في النرويج، فإنه يقول إنه لم يشعر يومًا بأنه نرويجي.
Foto: Balsharan Kaur / NRKوفقًا لتقرير مؤسسة بروبا لتحليل المجتمع، تعرض ما يقرب من نصف الشباب الذين شملهم الاستطلاع للعنصرية خلال الأشهر الاثني عشر الماضية. معظمهم قالوا بأنهم يختارون تجاهل ما يقال أو التظاهر بأنهم لا يهتمون.
كما وذكر العديد منهم أنهم لا يتلقون تعليمًا كافيًا عن العنصرية والتمييز في المدارس النرويجية، وأنهم لا يعرفون الجهة التي يتوجهون إليها للإبلاغ عن ذلك.
الأطفال والشباب الذين ينتمون إلى خلفيات من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط هم الأكثر تعرضًا للعنصرية.
تقول صوفيا أخرمينكو أن كنيتها أثارت الكثير من الفضول عندما كانت أصغر سناً.
Foto: Nicole Klatzka / NRKصوفيا أخرمينكو (١٩ عامًا): "– هل أنت ابنة بوتين؟"
انتقلت عائلة صوفيا من روسيا إلى شمال النرويج في صغرها. في الفترة الأولى واجهت صوفيا الكثير من التعليقات على اسم عائلتها.
عندما انتقلت إلى درامن في الصف السابع، كان الناس يسألون صوفيا مرارًا عما إذا كانت «ابنة بوتين».
شعرت صوفيا بأن الناس قبل حرب روسيا على أوكرانيا كانوا لطفاء، ولكنها لاحظت تغير موقفهم تجاه الروس حين اندلعت الحرب.
– منذ أن بدأت الحرب في أوكرانيا وأنا أسمع عددًا من التعليقات. على الرغم من أنه ليس لدي ما أقوله، فإنني أتلقى أسئلة مثل: «لماذا تقتلون الأوكرانيين؟»
– ماذا تفعلين في مثل هذه المواقف؟
– ربما يجب عليك أن تدافع عن نفسك، لكن في نفس الوقت من الصعب جدًا تغيير آراء الناس. أسهل شيء هو أن تترك الأمر كما هو ولا تدعه يؤثر عليك نفسيًا.
تقول صوفيا إن أفضل ما في الثقافة الروسية هو الطعام والناس والعقلية.
Foto: Nicole Klatzka / NRKأدى قرار بلدية درامن الذي يدور حول استقبال اللاجئين الأوكرانيين فقط إلى تقسيم المدينة إلى أجزاء عديدة. واستمر النقاش طويلًا على وسائل التواصل الاجتماعي حولما إذا كانت المدينة محتضنة للجميع أم أنها إقصائية وعنصرية.
لكن بالرغم من التعليقات، تعتقد صوفيا أن درامن لا تزال مدينة للجميع.
– لا يجب أن يُسمح لقلة من الأشخاص الذين يختارون التعليق بسخافة .بتمثيل المجتمع ككل
بعد انتقالها إلى درامن، أصبحت الأمور على ما يرام، كما تقول يولاندا بنجارانو.
Foto: Nicole Klatzka / NRKيولاندا بنجارانو (٥٠ عامًا): – صدمت عندما تعرفت على حياة العمل في النرويج
جاءت يولاندا بنجارانو إلى النرويج من كولومبيا قبل أحد عشر عامًا. كان الانتقال إلى النرويج بالنسبة لها سلسًا، لكنها تقول أن الصدمة الكبرى كانت في الحياة العملية النرويجية.
– بالرغم من أنني كنت حاصلة على تعليم عالٍ قبل مجيئي إلى هنا، فإن العثور على وظيفة لم يكن أمرًا سهلاً.
عندما انتقلت إلى النرويج شعرت يولاندا بقدر كبير من الغربة، ولكنها تقول بأن الكثير قد تغير بعد أن انتقلت إلى درامن.
– لم يكن لدي أي أصدقاء نرويجيين في دروباك، ولكن منذ أن انتقلت إلى درامن كونت صداقات نرويجية.
تعتقد يولاندا بنجارانو أن الناس في المدينة منفتحون للغاية.
Foto: Balsharan Kaur / NRKترى يولاندا أن أصحاب العمل النرويجيين يجب أن يكونوا أكثر انفتاحًا لتوظيف العمالة الأجنبية، فهي تعتقد أن العديد من الأشخاص لديهم الكثير ليقدموه، لكنهم لا يحصلون على الفرصة.
حصلت هي نفسها على تدريب في شبكة جمعية الياسمين النسائية في أكتوبر 2021، وتوظفت هناك في نوفمبر 2021.
تعتقد يولاندا أن الإدماج هو المفتاح لتقليل العزلة، وترى أن هذا شيء يجيده الكولومبيون.
– أعتقد أننا نجيد الابتسام والترحيب بالجميع بأذرع مفتوحة. لقد عملت في هذا المتجر لما يقرب من ثلاث سنوات، وفي كل مرة يدخل زبون أستقبله بابتسامة عريضة وأقول له «مرحبًا، تفضل». لقد لاحظت أن بعض النرويجيين يستغربون ذلك.
يقول أنتوني ماجالانيس بأنه يشعر بالغربة، ولكنه لا يشعر بالعنصرية بصورة كبيرة.
Foto: Balsharan Kaur / NRKأنتوني ماجالانيس فاجيرمو (٢٦ عامًا): – أستخدم لقبي النرويجي عند التقدم لوظيفة
لدى طالب التربية والتعليم أنتوني أب نرويجي و أم دومينيكية.
يقول أنتوني أنه لم يواجه عنصرية جسيمة، ولكنه يدرك بأنه يتعرض للتمييز. وهذا يلاحظه عندما يبدل اسم العائلة.
– عندما أتقدم لوظيفة، أستخدم لقبي النرويجي وليس الإسباني. ولكن إذا كنت ألعب كرة السلة، فأنا أستخدم لقبي الاسباني على الزي .الرياضي، وهذا لكي أبدو أكثر صرامة
يعتقد أنتوني أن العديد من الشباب متعددي الثقافات قد يشعرون بأن الثقافة النرويجية والنرويجيين باردون قليلاً مقارنةً بما اعتادوا عليه. ويقول أن أفضل ما يعرفه عن الثقافة اللاتينية هو الدفء والحب والموسيقى.
– اللاتينيون يحتضنون الآخرين بشدة. نحن نُظهر الحب ونعطي بسخاء. أتمنى لو كان هناك المزيد من ذلك لدى النرويجيين.
يعتقد أنتوني أنه سيكون هناك قدر أقل من الاغتراب في المدينة إذا تم توفير المزيد من أماكن التجمع للشباب.
يعتقد أنتوني ماجالانيس فاجيرمو أن الشباب يفتقرون إلى «مكان مناسب يتسكعون فيه».
Foto: Balsharan Kaur / NRK– مثلًا أنشئوا مركزًا ثقافيًا جيدًا للشباب، حيث يمكن لعب البلياردو وألعاب الطاولة وألعاب الفيديو. لقد كان هناك جهاز بلاي ستيشن في المكتبة، لكنهم أزالوه.
يعتقد أنتوني أن المعلمين يمكنهم أيضًا المساعدة في منع الاغتراب بين الأطفال والشباب. ويقول مبتسمًا بأنه يرغب أن يصبح معلماً يوفر الأمان لجميع الأطفال، وليس فقط الأطفال الجيدين.
– شعرت في المدرسة أننا كنا نقارن دائمًا بالطلاب «الجيدين»، وهذا شيء لا ينبغي عليّ فعله كمعلم.
لم يواجه أحمد أي عنصرية منذ انتقاله إلى النرويج، حيث يقول بأن الجميع رحبوا به بأذرع مفتوحة.
Foto: Nicole Klatzka / NRKأحمد إيبت (٢٢ عامًا): – إذا كنت شخصًا منفتحًا فسوف يتم احتواؤك
عاش أحمد في النرويج لمدة عام واحد. أصله من تشاد.
يقول أحمد أنه يشعر بترحيب كبير في مدينة درامن، حيث استقبله أهل المدينة بحفاوة.
– التحقت بدورة في اللغة النرويجية وتعرّفت على الكثير من الأشخاص، وهذا أمر لطيف حقًا. كوَّنت العديد من الأصدقاء من بلدان مختلفة، يتحدثون العربية والفرنسية والأوكرانية.
يقول أحمد أنه يخرج للصيد مع زملائه الأوكرانيين. كما أنه جرب التزلج لأول مرة في حياته العام الماضي.
يعتقد أحمد أنه إذا كان الشخص منفتحًا، فسيتم احتواؤه.
– شعرت بالاحتواء منذ وصولي إلى النرويج في أكتوبر من العام الماضي. الأشخاص الذين التقيت بهم طيبون للغاية. أشعر بأنني محظوظ جدًا.
يقول أحمد أنه تلقى الكثير من المساعدة منذ انتقاله إلى النرويج.، وأن مديره في العمل شخص جيد للغاية.
– مديري لطيف جدًا. أنا لا أتحدث اللغة النرويجية جيدًا، لكنه يساعدني في كل شيء. إنه مثل والدي الثاني.
والدا دايسي من الشيشان، وهي مغرمة جدًا بالموسيقى والرقص التقليدي الشيشاني.
Foto: Balsharan Kaur / NRKدايسي ألباكوفا (٢٠ عامًا): – «أليس من المؤسف أننا نعيش في مجتمع يفرض عليكِ ارتداءه؟»
تدرس دايسي الاقتصاد والإدارة في جامعة جنوب شرق النرويج. و تقول أنها تلقت تعليقات فظة بعد أن بدأت ارتداء الحجاب.
– أحد المواقف التي أتذكرها جيدًا كان مع رجل مسن، حيث قال: «أليس من المؤسف أننا نعيش في مجتمع يفرض عليكِ ارتداءه؟» ثم أشار إلى الحجاب.
تقول دايسي أنها شعرت بالانزعاج، لكنها لم تستطع فعل أي شيء حيال الموقف لأنها كانت في العمل.
منذ أن ارتدت الحجاب، تلقت تعليقات أكثر من ذي قبل، وتقول أن معظم هذه الحوادث وقعت أثناء عملها.
– عندما يدلي كبار السن بتعليقات كهذه، لا أعتقد أن السبب هو أنهم يكرهونني. ربما يكون السبب الأكثر هو أنهم لا يفهمون لماذا أعيش بهذه الطريقة. لذا، إذا أعطيناهم هذه المعرفة، فربما كان ذلك مفيدًا.
تعتقد دايسي أن الحل يكمن في أن يتعلم كل من الشباب والكبار المزيد عن ثقافات بعضهم البعض.
هل تريد أن تشاركنا قصتك مع العنصرية أو الإندماج؟ لا تتردد في المشاركة في حقل التعليقات!